في شهر شوال سنة عشر من النبوة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف قاصداً دعوة أهلها للإسلام. اصطحب معه مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه. وكلما مرَّ على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام فلم يجبهم إلى ما دعاهم إليه. استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى الطائف حيث كان الهدف دعوة زعمائها إلى الإسلام، فلما قدم عليهم كلم ثلاثة من كبارهم، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي.
عندما دعاهم رسول الله إلى الإسلام، لم يتقبلوا دعوته، بل قاموا بردها ببرود وسخرية. قال الأول: "هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك"، وقال الثاني: "أما وجد الله أحداً يرسله غيرك"، وقال الثالث: "والله لا أكلمك أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك".
ثم دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام مجدداً، فلم يستجيبوا، وأمروا عبيدهم وصبيانهم بأن يطردوه من المدينة، ورموه بالحجارة حتى أدميت قدماه، واضطر رسول الله إلى اللجوء إلى بستان عتبة وشيبة ابني ربيعة للاختباء. وفي هذا المكان، جلس رسول الله متعباً جريحاً ودعا الله قائلاً:
"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني؟ أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل علي غضبك، أو يحل عليّ سخطك. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".
وبينما كان رسول الله في هذا الوضع الصعب، جاءه غلام نصراني اسمه "عداس" كان يعمل في بستان عتبة وشيبة. أحضر عداس طبقاً من العنب ووضعه أمام رسول الله. عندما بدأ رسول الله في الأكل، قال: "باسم الله"، وهو ما أثار دهشة عداس، فبادره بالسؤال قائلاً: "إن هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلاد"، فرد رسول الله: "من أي البلاد أنت؟ وما دينك؟" فقال عداس: "أنا نصراني من أهل نينوى"، فرد رسول الله: "من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟" قال عداس: "وما يدريك ما يونس بن متى؟" فرد رسول الله: "ذاك أخي، كان نبياً وأنا نبي".
فأقبل عداس على رسول الله يقبّل رأسه ويديه وقدميه، قائلاً: "ما على الأرض من شيء خير من هذا الرجل". وعندما عاد عداس إلى عتبة وشيبة، سألاه عما جرى بينه وبين رسول الله، فقال لهما: "يا سيدي، ما في الأرض خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي".
وبعد انتهاء رسول الله من رحلته إلى الطائف، عاد إلى مكة. وعندما اقترب من مكة، بعث الله له جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال، فقال له: "يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت". ولكن رسول الله، برحمته وعطفه، قال:
"بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً".